الفضاءالمحليات والبيئةعاجل

أهمية النجوم في السفر براً و بحراً و في الفضاء

دكتور محمود حمزة

بقلم دكتور محمود حمزة

كانت النجوم منذ فجر الحضارات البشرية و ما تزال هي المعالم التي يهتدي بها الإنسان في سفره براً و بحراً ، و يُستفاد من رصد الشمس و القمر و النجوم الثوابت القريبة “الأبدية الظهور” في تعين موقع المسافر و تحديد إتجاه غايته ، و مع تقدم العلم أصبحت الملاحة البحرية و الجوية فناً دقيقاً يُعتمد عليه الآن كوسائل للموصلات و ذلك بإستخدام الرصد بآلات السُدس التي تعتمد على الجداول الفلكية.

بل أن رحلات الفضاء تكون خارج تأثير المجال المغناطيسي الأرضي ، فلا تصلح البوصلة المغناطيسية لتحديد الاتجاه ، و لذلك قد استعانوا بالشمس و النجوم في تحديد إتجاهاتهم و تُستخدم بعض مجموعات النجوم في تحديد الزمن مثل مجموعة الدب الأكبر و بذلك يكون تم للإنسان التعرف على المكان والزمان بواسطة النجوم ، و قال الله سبحانه و تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴿97﴾(سورة الانعام), ﴿وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ﴿16﴾(سورة النحل).

مجموعة الدب الأكبر

رصد مواقع النجوم يعتمد على موقع النجم القطبي

النجم القطبي هو النجم الذي يقع تقريبا في المركز الذي تدور حوله السماء (في الواقع الأرض هي التي تدور فيبدو لنا كأن السماء تدور) النجم القطبي أو “ألفا الدب الأصغر” هو ألمع و ثاني أبعد نجم في مجموعة الدب الأصغر حيث يبعد عن الأرض 430 سنة ضوئية ، و أهميته حالياً أنه نجم القطب الشمالي ، و سوف يستمر كذلك لمدة 11000 سنة قادمة حتى يتغير محور دوران الأرض و يصبح نجم القطب هو نجم (النسر الواقع).

رصد مواقع النجوم يعتمد على موقع النجم القطبي

علي الرغم من أن كل ما في صفحة السماء من أجرام يدور حول محوره‏ ، و يسبح جارياً في مداره، إلا أن النجم القطبي يبدو ثابتاً في مكانه بالنسبة للأرض‏ ،‏ و لا يشترك في الدوران الظاهري لقبة السماء و ما بها من نجوم‏‏ و الناتج عن دوران الأرض حول محورها من الغرب إلي الشرق دورة كاملة كل 24 ساعة‏.

و السبب في ذلك هو أن النجم القطبي يقع علي إمتداد محور دوران الأرض حول نفسها تماما‏ ، و بذلك يحدد لنا اتجاه الشمال الحقيقي ، و المعروف بإسم الشمالي الجغرافي‏ ، و يتعامد على هذا الإتجاه يميناً شرق الأرض‏ و يساراً غربها ، كل من إتجاه الشرق الحقيقي و الغرب الحقيقي بالنسبة للأرض ككوكب‏ ، و يتضح من ذلك جانب من جوانب الحكمة الإلهية المبدعة بخلق هذه العلاقة حتى يبقى النجم القطبي بمثابة البوصلة الكونية المعلقة في السماء الدنيا لإرشاد أهل الأرض إلى الاتجاهات الأربعة الأصلية‏ ، و في ذلك يقول الله سبحانه و تعالى:‏ ﴿وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ﴿16﴾‏ (سورة ‏النحل‏)‏.

و يقول الحق سبحانه و تعالى‏:‏ ﴿رَّبُّ المَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً﴿99﴾ (سورة ‏المزمل).

و يبعد النجم القطبي عن مركز السماء 0.7 درجة و بذلك يبقى دائما في السماء و يقع بالشمال و لذلك كان يستخدم في تحديد الإتجاهات قديما ، و يعتبر واحداً من النجوم الأبدية الظهور كما سماها العرب القدماء.

 و لتحديد موقع النجم القطبي علينا أن ننظر إلى مجموعتي الدب الأصغر و الدب الأكبر ثم نحدد منهما النجمين المعروفين بالدليلان ، و يكون موقع النجم القطبي على إستقامتهما و على بعد منهما يساوي خمسة أمثال المسافة بينهما.

و ترجع أهمية النجم القطبي في كونه مفتاحاً للنظر إلى السماء ، و نتمكن بواسطته من رصد مواقع الكواكب و النجوم ، و تحديد مستوى دائرة البروج ، و النجوم.

 ويعتبر أهم نجوم السماء للأسباب التالية:

1. موقع النجم القطبي في السماء يكون تقريبا على إمتداد محور دوران الأرض حول نفسها ولذلك لا يتأثر موقع النجم القطبي بدوران الأرض في فلكها حول الشمس ، أي لا يشرق و لا يغرب كغيره من النجوم.

2. موقع النجم القطبي يستعان به في تعيين الاتجاهات الأربعة ، فهو دائما يتجه نحو الشمال.

 الدب الأصغر Ursa Minor

 الدب الأصغر Ursa Minor

1. نجوم الدب:

نجوم الدب الأصغر أقرب النجوم إلى القطب الشمالي و ترسم في الخرائط السماوية بصورة دب صغير قائم الذيل ، و نجومها الهامة و الرئيسية سبعة فقط ، و في طرف ذيل الدب الأصغر يوجد نجم كبير لامع واضح هو النجم القطبي الشمالي هو “ألفا الدب الأصغر” ، و قد أستخدم قديماً لتحديد الاتجاهات.

نجوم مجموعة الدب الأصغر تسمى أيضاً بنات نعش الصغرى ، حيث ذيل الدب هو البنات الثلاث و المربع في نهايتهم هو النعش ، و ثاني ألمع نجوم الذيل هو “بيتا الدب الأصغر” و يبعد عنا 126 سنة ضوئية ، و هو عملاق برتقالي حيث تبلغ درجة حرارته 4000 كلفن.

أما ثالث ألمع نجوم المجموعة هو “جاما الدب الأصغر” و يبعد عنا 480 سنة ضوئية تقريباً و درجة حرارته تتراوح بين 7500 كلفن و 11000 كلفن ، و قوة ضوئة تبلغ 1100 ضعف قوة ضوء الشمس.

أما النجم الرابع من حيث اللمعان هو “إبسلون الدب الأصغر” وهو أقرب نجوم الذيل إلى النعش ، و هو نظام نجمي ثنائي و يبعد عنا 347 سنة ضوئية ، و هو عملاق أصفر يليه “زيتا الدب الأصغر” و هو أقرب نجوم النعش إلى الذيل و يبعد عن الأرض 380 سنة ضوئية ، أما النجم السادس من حيث اللمعان هو “دلتا الدب الأصغر” و هو أقرب نجوم الدب إلى النجم القطبي حيث يتوسط ذيل الدب ، و يبعد 185 سنة ضوئية.

و أَخفت نجوم المجموعة هو “إتا الدب الأصغر” و هو الأقرب إلى الأرض حيث يبعد عنها 97 سنة ضوئية.  

2. مجرات الدب:

توجد مجرة هامة واحدة فقط ، تسمى “قزم الدب الأصغر” بيضاوية الشكل (إهليجية) قزمة أُكتشفت في عام 1954م ، تتكون من أعداد هائلة من النجوم الكبيرة في السن ، و قد إكتشف العلماء أنه لا توجد ولادة مستمرة للنجوم في هذه المجرة.

 الدب الأكبر Ursa Major

 الدب الأكبر Ursa Major:

نجوم الدب الأكبر:

1. ألمع نجومه هو “إبسلون الدب الأكبر” (الإلية) و يبعد عنا 81 سنة ضوئية ، و هو النجم الثاني و الثلاثين من حيث اللمعان بالنسبة لنا ، و هو أقرب نجوم الذيل إلى النعش.

2. يليه في اللمعان نجم القائد أو “إيتا الدب الأكبر” و يقع في نهاية ذيل الدب الأكبر و يبعد عنا 101 سنة ضوئية وهو نجم أبيض مزرق درجة حرارته 20000 كلفن.

يليه في اللمعان نجم القائد أو "إيتا الدب الأكبر" ويقع في نهاية ذيل الدب الأكبر ويبعد عنا 101 سنة ضوئية وهو نجم أبيض مزرق درجة حرارته 20000 كلفن.

3. النجم الثالث من حيث اللمعان يسمى الدبة أو “ظهر الدب الأكبر” أو “ألفا الدب الأكبر” و هو نجم عملاق أحمر يبعد عنا 124 سنة ضوئية و قد كانت الدبة هي النجم القطب قبل سبعة آلاف سنة و سوف يعود كذلك بعد 18 ألف سنة و هو أحد أبعد نجمين عن القائد في الدب الأكبر وسميا النجمين ألفا ، و بيتا بالدليلين لأن إمتداد المستقيم الواصل بينهما يشير إلى النجم القطبي. 

4. أما النجم الرابع هو المنزر أو “زيتا الدب الأكبر” و يقع في منتصف الذيل ، و يبعد عنا 78 سنة ضوئية.

5. النجم الخامس هو المراق أو “بيتا الدب الأكبر” و يبعد 79 سنة ضوئية. 

6. النجم السادس هو الفخذة أو “جاما الدب الأكبر” و يبعد 84 سنة ضوئية. 

7. النجم السابع هو المغرز و هو خافت و يبعد عنا 81 سنة ضوئية.

لنتدبر آية القسم العظيم ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ ﴿75﴾ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76)) سورة الواقعة

عزيزي القارئ نَخلُص مما تقدم عرضه لآخر الإكتشافات العلمية لأسرار مواقع النجوم التي توصل إليها العلم حتى الآن في هذا الكون الفسيح و المتناهي في الكبر و المتزايد الأبعاد ، و بدأنا نعلم ما المقصود بالقسم بمواقع النجوم.

الله سبحانه و تعالى أقسم بمواقع النجوم و ليس بالنجوم ذاتها ، و يعظم من أمر هذا القسم لتأكيد أن هذا الكتاب هو القرآن الكريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون ، وإنه تنزيل من رب العالمين.

إن مواقع النجوم في بساطتها تخاطب فطرة الإنسان ، و في الوقت نفسه هي موضع دراسة أعظم العلماء حتى نهاية الزمان ، لأن مواقع النجوم تعني هندسة الكون الآن و لم يكن المخاطبون بالقرآن في ذلك الزمن يعرفون عن مواقع النجوم إلا القليل ، الذي يدركونه بعيونهم المجردة ، و من ثم قال لهم الحق ﴿وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ﴾.

و الآن بهذه الإكتشافات العلمية ، هل علمنا عن مواقع النجوم ما يزيدنا إيماناً بالخالق العظيم بديع السماوات و الأرض ، نحن اليوم  أكثر فهماً و ندرك من عظمة هذا القسم المتعلقة بالمُقسم به نصيبا أكبر بكثير مما كانوا أسلافنا يعلمون قبل 1400 عام ، و إذا كنا نحن أيضاً لا نعلم إلا القليل عن عظمة مواقع النجوم ، و هذا القليل الذي وصلنا إليه بمراصدنا المحدودة القدرة رغم تطورها المستمر ، و التي تخبرنا أن القطر المرئي من الكون 13.7 سنة ضوئية.

 و يحتوي الكون المرئي نحو 100 مليار مجرة، تتكون المجرة من عدد من النجوم معدلها 200 مليار نجم ،و عدد المجرات العملاقة في الكون المرئي 35 مليار مجرة تقريباً ، و عدد المجرات القزمة حوالي 7 تريليون مجرة ، عدد النجوم يبلغ 20 مليار تريليون نجم ، هذه النجوم كلها تسبح في الكون ، و لا يوجد إحتمال أن يقترب مجال مغناطيسي لنجم من مجال مغناطيسي لنجم آخر ، أو يصطدم بآخر ، إلا كما يُحتمل تصادم مركب في البحر الأبيض المتوسط بآخر في المحيط الهادي ، يسيران في اتجاه واحد وبسرعة واحدة ، و يقول الفيزيائي ريتشارد فينمان “لو أردنا أن نُسمي كل نجم فيها بإسمه لمضينا في هذه العملية 3 آلاف سنة”.

هذا هو الشأن في مجرتنا التي نعيش فيها ، و كل نجم في موقعه المتباعد عن موقع أخوته ، قد وضع بحكمة و تقدير دقيق للغاية ، و هو مُنسق في آثاره و تأثيراته مع سائر النجوم و الكواكب ، لتتوازن هذه الخلائق كلها في الفضاء الهائل.

و قبل 1400 سنة أخبرنا الله سبحانه و تعالى بقوله ﴿اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ ﴿2﴾(سورة الرعد).

هل لنا أن نزداد فهماً بقول الحق تبارك و تعالى: ﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴿255﴾ (سورة البقرة). 

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى