الفضاءالمحليات والبيئةعاجل

رصد مواقع النجوم

دكتور محمود حمزة

بقلم دكتور محمود حمزة

صورة مواقع النجوم في السماء فوق رؤسنا بالليل لا يمكن أن تبقى على حالها ، لأن دوران الأرض حول محورها ، يجعل النجوم تبدو و كأنها  تتحرك من الشرق إلى الغرب.

 و على هذا يختلف مواقع المجموعات النجومية التي نرها فوق رؤسنا أول الليل عن تلك التي نراها عند منتصف الليل ، أي أن المجموعات النجمية التي نراها فوق رؤوسنا أول الليل نراها منخفضة في السماء الغربية عند منتصف الليل.

و بناء عليه الصورة التي تبدو عليها النجوم في ليلة صافية تعتمد على ثلاث نقاط هامة و هي:

  1. موقع الراصد على الأرض.    
  2. موقع الأرض في مدارها حول الشمس.
  3. وقت رصد السماء.

و مما يثير الدهشة أن تلاحظ كما لاحظ أسلافنا، خمسة أجراما سماوية تغير مواقعها من ليلة لأخرى بالنسبة لخلفية النجوم الثوابت.

هذه الأجرام الخمسة تتجول في السماء نحو الشرق و هي الكواكب الخمسة التي كانت معروفة منذ القدم، عطارد ، والزهرة ، و المريخ ، و المشتري ، و زحل فضلا عن الأرض، و حديثا تم اكتشاف ثلاثة كواكب أخرى هي أورانيوس ، و نبتون ، و بلوتو ، و جميع الكواكب فيما عدا بلوتو تدور حول الشمس في نفس المستوى تقريبا و هو مستوى دائرة البروج.

رصد النجوم يعتمد على موقع الأرض:                                

موقع الأرض في مدارها حول الشمس له أهمية في تحديد مواقع النجوم التي نراها في السماء ، فمثلا النجم الذي يراه سكان نصف كرة الأرض الشمالي في ليالي الصيف تتعذر رؤيته شتاءً إذ إنه سيكون مواجها للأرض أثناء النهار.

واستخدم أسلافنا الشمس في تعين محيط الأرض ونصف قطر تكورها بطرق مختلفة على مدى العصور كالتالي: 

1. طريقة إيراتوثينس (267 – 194 ق.م):

قام العالم المصري إيزاتو ثينس في 21 يونيو عام 250 ق.م وقت الظهيرة في يوم الإنقلاب الشمالي للشمس (21 يونيو). 

بقياس زاويه ميل أشعة الشمس عنا باستخدام المزولة فمن مراقبته لشمس الظهيرة حيث كانت عمودية تماما في أطول أيام السنة لاحظ أنها في أسوان عند قرية سيين الواقعة على مدار السرطان (حوالي 40 كم جنوبي أسوان) ، أن العصا التي تثبت رأسياً في هذه المنطقة لا يكون لها ظل ، و في نفس الوقت يكون للعصا الرأسية في الأسكندرية ظل على السطح الأفقي تكون جنوب السمت بمقدار7.5 عن شمس الاسكندرية في نفس اليوم.

و من تلك الطريقة استطاع حساب محيط الأرض من ملاحظة الفرق بين زاوية سقوط أشعة الشمس على سطح الأرض و مدينة الإسكندرية و كان معروفا وقتذاك أن مدينتي أسوان و الأسكندرية تقعان على نفس خط الطول و أن المسافة بينهما حوالي (5000) ستاديا أي حوالي 804.635 كم و هي تمثل طول القوس المواجه للزاوية  7.5º و أن الدائرة الكاملة قياسها 360º تساوي حوالي 49.33 مرة الزاوية 7.5º ، توصل إلى قيمة لمحيط الأرض تبلغ (39690) كم كالتالي:

وهو يقل (430) كم عن المقدار الصحيح لمحيط الأرض (40120) كم.

2. طريقة البيروني:  

أبو الريحان محمد البيروني أحد ألمع العقول في تاريخ العلم, ابتكر طريقة لقياس نصف قطر الأرض تعتمد فكرتها على اختيار أحد الجبال العالية التي تطل على مياه البحر أو على سهل منبسط. و بقياس ارتفاع الجبل عن سطح البحر و ليكن h كم، ثم قياس زاوية ميل أشعة الشمس وقت الغروب  a كما بالرسم وعندئذ تكون الزاوية المركزية هي a  أيضا و من هندسة الشكل نجد:

و من السهل إجراء هذه التجربة الآن بالاستعانة بطائرة عمودية هليوكوبتر تحلق على ارتفاع ثابت h كم من سطح الأرض أو البحر ، ثم نقيس زاوية  ميل أشعة الشمس  a وقت الغروب R=6360km و إستخدام النتائج الدقيقة يمكن حساب حجم الأرض ، و كتلتها.

الطريقة الحديثة لرصد مواقع النجوم:                                      

 يستخدم الآن المراصد التلسكوبية الأرضية ، سفن الفضاء ، و الأقمار الصناعية ، و كذلك مسبارات الفضاء التي تدور حول الأرض وتوضع خارج الغلاف الجوي ، و قد قامت وكالة الفضاء الأوروبية بإطلاق المسبار (جايا) في ديسمبر عام 2013 في مهمة تستغرق 8 سنوات لرصد مواقع مليار نجم من كافة أنحاء المجرة و بناء نموذج ثلاثي الأبعاد و ذلك برصد حركتها و إتجاهها، هذا النموذج سوف يوفر للعلماء صورة واضحة عن نمط حركة النجوم في مجرتنا.

و لن يستطيع المسبار الذي كلّف 650 مليون يورو بناء هذا النموذج لوحده، بل يحتاج إلى فريق من مئات الأخصائيين و العلماء من كافة انحاء أوروبا، مكون من محللي البيانات ، و مهندسي الكمبيوتر ، و علماء الفلك و علماء الرياضيات و على مدى ثماني سنوات لكي يستطيعوا بناء هذا النموذج الذي سيحتاج الى أجهزة كمبيوتر عملاقة وسعة تخزين هائلة تصل إلى مليون جيجا بايت (ألف تيرا بايت) و ستكتمل هذه المهمّة عام 2020.

أما إذا اراد العلماء تحديد موقع كل نجم في مجرتنا، فلربما سيكونوا بحاجة من 200 إلى 300 ضعف عدد العلماء و ضعف قدرة معالجات الكمبيوتر و سعة التخزين.

 فهل توصلنا الى ما يكفي من العلم لفهم علم مواقع النجوم ، ما زال العلم في بداية الطريق في هذا المجال و حجم المعلومات التي تم جمعها لا يكفي حسب رأي العلماء للوصول إلى نتائج ذات دلالة ، فهل هذا قسمٌ عظيم؟ 

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى