الأحد. مايو 19th, 2024

البلاد

نبحث عن الخبر باحترافية و نحرره بموضوعية

د. مصلح العتيبى يكتب / «كوروترول».. مدمّر الاقتصاد!

1 min read

في مشهد لفيلم أميركي عام 2011، يحكي قصة انتشار فيروس يضرب الجهاز التنفسي أولاً ثم تنتشر العدوى ليجتاح العالم بأسره! نحن اليوم، لا نعاني اجتياح مرض كورونا المستجد فحسب، بل أضف إليه ازمة هبوط أسعار النفط، ولذلك يمزج عنوان المقال بين كورونا والبترول ليشكل خليطا مدمرا على الاقتصاد العالمي تحت مسمى «كوروترول».

في 2015، جاء أمير سعودي للمشاركة في مهرجان «الرجل المحترق» البديل، الذي يحتفل به سنويا في صحراء «بلاك روك» في ولاية نيفادا، فقام بحركة استمدها من تراث بدوي مصدره صحراء نجد، فشرب فنجان خصمه عنوانا للتحدي! ليقفز بعدها ويسجل فوزا ساحقا وينعم بخسارة الفريق المنافس! الى هنا تنتهي تلك الحادثة الأميرية، إن صح التعبير، ونحن هنا نستخدمها مجازا لاعتبارات سياسية على ما جرى في اجتماع وزراء منظمة أوبك في مدينة فيينا يوم الجمعة الماضي.

اجتماع أوبك كان استثنائيا، حيث ضم جمهورية روسيا الاتحادية تحت ما بات يعرف الآن بـ«أوبك بلس»، ويبلغ الإنتاج العالمي من النفط حاليا 80.6 مليون برميل يوميا، حصة «اوبك» منه %32. كما يبلغ إنتاج المملكة العربية السعودية 12 مليون برميل يومي ما نسبته %15، في المقابل تبلغ حصة روسيا من الإنتاج العالمي للنفط %11.3 أي ما يعادل 10.8 ملايين برميل يوميا، وتنفرد الولايات المتحدة وحدها بنسبة %17.3 من جملة إنتاج النفط العالمي أي ما يعادل 15 مليون برميل يوميا (يدخل الإنتاج الصخري فيه ما يعادل 9 ملايين برميل من أصل الـ 15 مليون برميل يوميا).

كان الاجتماع يهدف إلى مواجهة تداعيات انتشار فيروس كورونا على طلب النفط العالمي، إضافة إلى تمديد الخفض الحالي البالغ 2.1 مليون برميل يوميا، واقرار خفض إضافي لإنتاج النفط بمقدار 1.5 مليون برميل يوميا، وليصبح مجموع الخفض اليومي 3.6 ملايين برميل حتي شهر يونيو المقبل.

ومن المتوقع أن تسهم الدول من خارج المنظمة، مثل روسيا وغيرها، بـ 500 ألف برميل يوميا من الخفض الجديد. دخل الوفد الروسي يتقدمهم وزير الطاقة ألكسندر نوفاك ليجلس على طاولة المفاوضات قبالة زعيم قدرات النفط العالمي، المملكة العربية السعودية برئاسة وزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان آل سعود، ودارت المباحثات مع الروس غير أنها لم تكن سهلة في البداية، ولربما كانت أصعب مما توقع الكثيرون في الأوساط السياسية والاقتصادية!، غير اننا لا نغفل حقيقة أن موسكو كانت وما زالت تتعاون على صعيد سياسة الإنتاج منذ 2016، وذلك في إطار مجموعة «أوبك بلس». غير أن الوفد الروسي في ذلك اليوم أبدى امتعاضه وعدم جدوى الخفض الإضافي وسجّل تحفظه على اقتراح «أوبك».

ولا تزال موسكو حتى اليوم تؤكد استمرارها في دعم التمديد للخفض المعمول به حاليا، لكنه ليس خفضا جديدا، أي 1.5 مليون برميل يوميا، وذلك برأيها كافٍ لاستقرار سعر البرميل.

في الواقع، ومن وجهة نظر أوبك، لم يعد هذا الخفض المستمر يحظى بأثر اقتصادي ملموس، فالأسعار لازالت بانخفاض بطيء مع استقرار الوضع في سوق المشتقات، وأصبحت أسعار الذهب الأسود لا ترضي موازنة الدول المنتجة، ولكنها بالطبع هي أكثر من رائعة بالنسبة للمستهلكين. خطر تفشي «كورونا» أما وقد انتشر «كورونا» في دول العالم، وأصبح يشكل تهديداً حقيقياً للاقتصاد العالمي، كان تأثير الكورونا الى يوم لقاء «أوبك» مقتصرا على شركات الطيران فقط بشكل ملموس، وعلى القطاع السياحي تباعاً! حتى أتى الرد السعودي بُعيد الاجتماع، برفع القيود عن الإنتاج وزيادة الامدادات وبأسعار مخفضة لشهر ابريل! كان ذلك الرد صاعقاً في الحقيقة، فتهاوت أسعار النفط في الأسواق العالمية، فاختلطت حرب الأسعار والمخاوف من تفشي فيروس كورونا، وانعكست سلبا على اسعار النفط التي نزلت الى 27 دولارا، واجتاحت البورصات العالمية موجة خسائر حادة، وعادت اجواء ازمة 2008 المالية لتخيم مجددا على الاسواق.

انخفاض سعر النفط عززه تأثير فيروس كورونا المستجد على الصين وعلى الاقتصاد العالمي ككل، إذ تعطلت المصانع وتقلصت حركة السفر الدولية، وتباطأت أنشطة أخرى، أضف الى ذلك ما استجد من انتشار هذا الوباء في جميع أنحاء العالم.

ومن المأمول ان تنهض «اوبك من جديد» مستمده قوتها من تاريخ نضال طويل يمتد لأكثر من 60 عاما، تخللتها الكثير من الانهيارات السعرية والانتكاسات الاقتصادية غير الحروب فيما بين أعضائها، ومن المستبعد ان يكون هدف الروس اضعاف مجموعة اوبك لأن الضرر سيلحق بهم ايضا. أما في الكويت، فالفيروس يعصف بالبلاد، ويفرض تحديات صحية واقتصادية، والحكومة امام عمل شاق لترشيد نفقاتها واعتماد خطط اصلاحية مالية واقتصادية. ولا مفر من تنويع مصادر الدخل والبحث عن بدائل جديدة مستفيدة من إمكاناتها المالية الضخمة.

وختاماً، ليس امامنا إلا ضبط النفس والحفاظ على وحدة «أوبك»، والنهوض من جديد نحو استقراء للمستقبل بشكل أكثر جدية وفاعلية. هذه السنة، إن صحت توقعات الخبير المالي طلال أبو غزالة، هي سنة كساد وتضخم في آن واحد! ولكنها ستمضي بما ستؤول اليه، ونخرج منها أكثر صلابة.

د. مصلح العتيبي

البلاد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.